شبح من الماضي "شانتيل شاو" الجزء4
-جيد. سعل خافيير لينقي حلقه، ثم قال مخاطبا كبير الخدم :" أخبرني توريس، كيف تبدو السنيوريتا بيريسفورد؟" لم يقو توريس على اخفاء ارتباكه ، فقال:" كيف تبدو سيدي؟" -نعم... هل تبدو.... سعيدة؟ حدق خافيير بالرجل الآخر بنفاد صبر ، أشرق وجه توريس ، وقال :" بالطبع .... قريبا سوف تصبح الدوقة الجديدة ، ومن الطبيعي أن تكون في نشوة من السعادة. و.....اذا كان بمقدوري أن اضيف ، فهي تبدو جميلة جدا". أطلق كبير الخدم ابتسامة ذات دفء أصيل حقيقي، لكنها لم تسهم في تهدئة مزاج خافيير. فهو يشك بأن غرايس تشعر بالسعادة لاحتمال ان تصبح عروسه . انها ابعد ما تكون عن ذلك . لا شك في انها تبدو متميزة جدا في فستان عرسها . لكن خافيير شعر بشيء من الغرابة لأن كبير خدمه عبر عن اعجابه بها بمثل هذه الحماسة . هو لم يكن حتى بقدرة توريس على الابتسام قبل وصول غرايس الى قصر الاسد. لطالما بدا القصر مكانا بشعا ومروعا الى حد ما، وكذلك بدا الموظفون فيه . لكن يبدو ان ذلك تغير بشكل ما خلال الاسابيع الثلاثة المنصرمة . والفضل في ذلك يعود الى تأثير الوردة الانكليزية الرقيقة، التي بدت قادرة بابتسامتها الناعمة على تفتيت قساوة هذه القلعة . اقر خافيير بعبوس انها لم تكن تبتسم له . بدت غرايس لطيفة مع موظفي القصر ، واستطاعت بتصرفاتها الهادئة ان تستحصل على رضاهم الفوري. لكنها ظلت باردة متزمتة معه، في حين ان حذرها منه راح يزداد يوميا أصبح وقت العشاء كل مساء محنة بالنسبة اليه ، بالرغم من توقه الى كسر تحفظها حتى يتلقى هو بدوره احدى ابتساماتها الخجولة التي كانت توجهها بطيبة خاطر الى كل شخص سواه في هذا القصر. -سيدي ،هل يمكنني ان احضر لك شيئا ما؟ توريس متدرب على عدم اظهار نفاد الصبر ، لكن خافيير ادرك انه يخشى من ان يشعر الضيوف الذين ينتظرون في الكنيسة بالضجر. فكر خافيير ، ما الذي قد يظنه به كبير الخدم لو علم ان غرايس تتزوجه فقط لأنه اجبرها على ذلك؟ صعق خافيير لأدراكه انه لم يفكر حتى بمصرف هيريرا لعدة ايام. أليس السبب الوحيد لاهتمامه بهذا الزواج هو كونه وسيلة للحصول على مايحق له بالولادة؟ تذكر كيف تعلقت بوالدها لدى نهاية رحلتهما القصيرة الى إيست بورن ، التمعت عيناها الزرقاوان الكبيرتان بالدموع ، فيما ارتعش صوتها وهي تخبر انغوس بيريسفورد بمقدار حبها له . اقر خافيير بتثاقل ان غرايس مستعدة لفعل اي شيء لأجل والدها ، حتى الزواج من رجل تمقته بوضوح. -سيدي؟ -حسنا! أنا قادم . لا جدوى من ان يعاني هجوما غير ضروري من قبل ضميره الآن . إنه وغرايس عقدا اتفاقا ، وهو وفى مسبقا بجانبه منه . ذكر خافيير نفسه بذلك فيما مشى عبر الغرفة وتبع توريس . من الافضل ان يتذكر ان الفضل يعود إليه لأن والد غرايس الغشاش النصاب ليس قابعا في السجن بأنتظار محاكمته بتهمة الاحتيال . بعد رحلته الى ايست بورن، ادرك خافيير ان انغوس لم يعد يشبه البتة الرجل الهادئ الرصين الذي كان قد عينه لإدارة الفرع البريطاني من مصرف هيريرا منذ ثلاث سنوات . بدا والد غرايس مثيرا للشفقة بوجهه الهزيل ويديه المرتعشتين . كما ان خافيير صدم فعلا لرؤية اضطرابه النفسي الواضح . ما الذي جعل انغوس يفكر بالاختلاس؟ لم تكن هنالك دلائل واضحة على انه استفاد من الملايين التي سرقها . بدا رجلا منكسرا ، بعيدا عن حياة البذخ والرفاهية ، وقد أجبر على اللجوء الى شقيقته لكي توفر له المسكن . ما الذي فعله اذا بتلك الملايين ؟ هل تراه صرفها كلها على غرايس ؟ قبل ان تدخل غرايس حياته ، كان خافيير يظن صدقا بأن ابنة انغوس بيريسفورد عي فتاة مدللة متواطئة مع والدها المحتال . لكنه اجبر بعد مرور الاسابيع القليلة الماضية ان يتقبل حقيقة ان غرايس لا تشبه البتة ما تصوره عنها . نظر الى صورة الدوق السابق ، فيما عبر صالة الدخول الواسعة . منذ لحظة وصوله الى القصر وهو صبي يافع ، لقنه كارلوس هيريرا مبدأ الاعتقاد بأن القوة هي كل شيء ، وان المشاعر كالحب والتعاطف هي للضعفاء فقط ، اما أسد آل هيريرا فصلب قوي ، ويمشي دوما بمفرده . اقر خافيير بتثاقل ان لا مكان في قلبه لغرايس بيريسفورد ، لكنه لم يستطع اخراجها من ذهنه . انها مجرد فتاة غير ملفتة للنظر بملامح وجهها الرقيقة وشعرها البني الناعم لو قورنت مع عشيقاته العديدات . مع ذلك سيطرت على افكاره وطاردته في احلامه . لكن الانجذاب الحسي هو الشيء الوحيد الذي يشعر به تجاه غرايس . ذكر خافيير نفسه بذلك بحدة . انه يرغب بها ، وسوف يحصل عليها الليلة.... ليلة زفافهما . طمأن نفسه وهو يعبر الباحة الخارجية متوجها نحو الكنيسة بأن غرايس تدين له . لم يفهم لماذا اختلس والد غرايس تلك الاموال ، لكن تصرفات انغوس ادت بكارلوس هيريرا الى التشكيك بإحكام خافيير، فأضاف شرط الزواج الى وصيته. لذلك من المنصف ان تحترم غرايس جهتها من الاتفاق فتصبح زوجته وتؤكد له حصوله على موقعه في رئاسة مصرف هيريرا . ****************** إنها الآن متزوجة! حركت غرايس بتوتر الخاتم الذهبي البسيط في إصبعها ، فوجدته عالقا بأحكام . كان خافيير قد وضعه في اصبعها بسهولة في وقت سابق من هذا النهار ، لكنها في ذلك الوقت كانت تشعر بالبرد بسبب اعصابها المتوترة. أما الآن فهي تشعر بالحر بسبب جلبة الاصوات المنبعثة من ارجاء قاعة الاستقبال. يا له من نهار طويل! بالكاد تطيق صبرا حتى ينتهي هذا اليوم. لكن اللمعان الدال على الترقب في عيني خافيير الكهرمانيتين يتوعدها بأن يكون الليل اكثر مشقة من نهار زفافهما . جعلت هذه الفكرة معدة غرايس تتقلص . بعد انتهاء العشاء ، راح الضيوف يتبادلون الاحاديث. كان خافيير يقف برفقة مجموعة من الاشخاص الذين لم تلتقهم غرايس من قبل، وخمنت ان معظمهم على الارجح شركاء في اعمال خافيير. قدمها خافيير الى بعض افراد عائلته ، وبالتحديد الى نسيبه لورنزو بيريز، اي الرجل الذي سينتزع منه رئاسة المصرف اذا ما فشل في ايجاد عروس يتزوجها . تساءلت غرايس هل يدرك لورنزو السبب الحقيقي لزواجهما المتسرع؟ هل يعلم بذلك اي شخص آخر هنا بأستثناء المحامي رامون أغويلار؟ كان خافيير قد اصر على ان يكون الامر سرا . إنه رجل فخورا جدا ، واستشعرت غرايس ان هذا الشرط جرحه. راحت تنظر إليه غير قادرة على انتزاع نظراتها عن وجهه الوسيم . حين رأته واقفا بأنتظارها أمام المذبح بدا لها باردا وبعيدا لكنه رائع الى حد الدمار ، فأحست بجاذبيته القوية تغمرها بالكامل . فجأة بدت رجلاها غير قادرتين على حملها ، فتعلقت بذراع توريس وهو يرافقها الى داخل الكنيسة . بدت مراسم الزفاف مؤثرة جدا ، فملأت الدموع عينيها حين تلت عهودها بصوت مرتعش لشدة تأثرها لطالما حلمت بالزواج من رجل يشكل توأم روحها ، وها هي عالقة في اتحاد خال من الحب مع رجل غالبا ما يتكلم عنه موظفوه بلقب أسد آل هيريرا . سمعت غرايس صوتا ساخرا مألوفا في اذنها قائلا :" حاولي ألا تبدي مأساوية الى هذا الحد ، عزيزتي ، فضيوفنا سيظنون اننا نخوض اول شجار عاشقين". وجود خافيير المفاجئ الى جانبها جعلها تقفز مرتعبة لاحظ بنظره الثاقب الظلال الباهتة في عينيها ، فسألها :" ما الخطب؟" سحب كرسيا وجلس بالقرب منها ، فتنشقت غرايس رائحة عطره الممزوجة برائحة المسك بالاضافة الى عبير آخر غير محدد يدل على القوة المطلقة . عضت على شفتها وقالت :" لا شيء .... فقط افكر بوالدي ... لم اتصور ابدا انني قد اكون وحيدة خلال يوم زفافي". قال خافيير بقساوة :" انت بالكاد تبدين وحيدة ، فهنالك اربعمائة من الضيوف المدعوين هنا". غمغمت غرايس متهكمة :" لكنني لا اعرف ايا منهم . إنهم ليسوا اصدقائي انا ، بالرغم من انني اشعر بالفضول لأعرف اذا كان اي منهم صديقك انت ، او ان زواجنا هو مجرد فرصة رائعة لأقامة العلاقات والاتصال بشركائك في العمل؟" رد خافيير صوت جليدية :" حسنا! لن تضطري الى تحمل وجودهم لفترة طويلة ، عزيزتي. فالحفلة سوف تنتهي خلال ساعة ولن يجرؤ احد على التمهل. لا بد انهم يعرفون كم يكاد ينفد صبري حتى آخذ عروسي الى سريري . لكن فقط ، في حال انتابتهم اية شكوك ...." أنزل خافيير رأسه فأسر غرايس بعناقه بدقة جعلتها مسلوبة الانفاس . قبضت انامل خافيير النحيلة عليها ممسكة إياها باحكام فيما تابع عرضه لضيوف العرس كاشفا عن توقه ليحمل دوقته الى الاعلى ....الى غرفته . فكرت غرايس مخدرة . انه يجدر بها ان تقاومه وتدفعه بعيدا عنها . طيلة فترة العشاء راحت تبحث عن الكلمات المناسبة لتقول له إن لا نية لديها بإتمام زواجهما المزيف. كذبت في الكنيسة حينما تلت عهودها ، لكنها سوف تكون صادقة مع قلبها ، فهي ترفض ان تسلم جسدها لرجل لا تحبه . يجدر بها ان تقول له ذلك الآن ، كي لا يعتقد أنهما على وشك تمضية ليلة من الشغف والهيام . لكن صعب عليها التفكير بصواب فيما ذراعاه تغمرانها وتضمانها إليه بقوة واحكام. انها لم تشعر بإحساس مماثل من قبل . لم تختبر ابدا احاسيس هائجة تلتهمها وتستنفد قواها ، فتجعل جسمها يتألم . أخيرا قطع خافيير العناق وحدق نزولا نحوها ، وقد ظهر تألق عنيف ضار في عينيه فيما لاحظ الارتباك بعينيها. قد لا تكون وردته الانكليزية معجبة به ، لكنها أسيرة هذا الانجذاب الحسي البدائي الذي يستعبده هو ايضا . لاحظ خافيير ذلك وقد احس بجيشان من الرضى في داخله . التوى فمه بابتسامة فظة لدى رؤية تعابير الصدمة على وجهها ، فقال :" سأطلب من توريس ان يعلن حلول موعد النخب الاخير للعروسين. حان موعد عودة ضيوفنا الى منازلهم" . -لا يمكنك ان ترميهم خارجا . ما الذي سيظنونه؟ أخبرها خافيير بغرور فائق :" لا اكترث البتة لما يفكرون به . انا اشعر بنهم شديد تجاهك عزيزتي ، ولتذهب اللياقات الاجتماعية الى الجحيم ". استنشقت غرايس نفسا عميقا وقالت :" خافيير .... انا.... لا اريد ان انام معك ". رفع خافيير كأس العصير فشربه بجرعة واحدة قبل ان ينظر نحوها وقد امتلأت عيناه المثقلتان بالتسلية، ثم قال :" انا ايضا لا ارغب بالنوم معك، فأنا انوي الانغماس بنشاطات أخرى اكثر متعة ولهوا خلال ساعات الليل الطويلة ". مرر عينيه ببطء عليها في تقدير صادق جدا، الى حد انها احمرت خجلا. أما خافيير فضحك ضحكة مكتومة وقال :" ان ادعاءك البراءة امر مثير جدا عزيزتي ، وانا واثق من انك تدركين ذلك" . ثم تشدق متابعا :" لكن لن تضطري الى ادعاء ذلك بعد الان . فأنا افضل المرأة الواثقة من سحرها ، ولدي توقعات كبيرة بأنك ستتصرفين كاللبوة في السرير". -لا تعتمد على ذلك . اجبرا على قطع حديثهما حين اقتربت امرأة شابة من طاولتهما ، وقد ثبتت عينيها بحزم على خافيير. قالت له بنزق يظهر حدة طباعها :" بحثت عنك في كل مكان . وعدتني بأن ترقص معي ". اجابها خافيير برصانة :" نعم . لكن كما ترين ، انا اتحدث مع زوجتي. لم لا تطلبين من احد معجبيك الشبان العديدين بأن يراقصك؟" . جاء ردها الحاد :" انا اريد ان ارقص معك فقط ". احست غرايس برفرفة غريبة في معدتها لدى سماعها كلمة "زوجتي" ، فلم تستطع حمل نفسها على ملاقاة نظرات خافيير . عوضا عن ذلك تفحصت الشابة التي راحت تحدق بخافيير وقد بدا الاعجاب واضحا في عينيها. اشتدت اعصاب غرايس في انتظار ان يقوم خافيير بتدمير الفتاة بإحدى تعليقاته الساخرة الفظة، لكنه عوضا عن ذلك ابتسم لها ابتسامة دافئة ، فأشرقت عيناه ورقت ملامح وجهه القاسية . -انا آسف . وفري لي رقصة لوقت لاحق . انظري ، اعتقد ان والدك يستعد للمغادرة . -لم يحن منتصف الليل بعد. ان بابا ممل جدا . كورت الفتاة شفتيها تجهما ، ثم هزت شعرها الاجعد الاسود اللون في حركة تعمدت ان تبدو جذابة ، فيما تجاهلت غرايس تماما. بعدئذ تمتمت:" الى المرة المقبلة اذا خافيير ". نفخت له قبلة في الهواء قبل ان تستدير على عقبيها وتمشي عبر الغرفة . قال خافيير لغرايس:" ميغيل سوف يعاني من المشاكل مع تلك الفتاة ". تتبعت غرايس نظرات خافيير نحو الفتاة التي تتمايل برشاقة، فغمرها إحساس يشبه الغيرة . سألته بحدة :" انها يافعة جدا. من هي؟" رد خافيير بنبرة ملؤها التسلية :" لوسيتا فاسكيز . والدها ميغيل كان الصديق الاقرب الى جدي. كان في الستين من عمره حين ولدت ، واخشى انه دللها الى حد كبير لا يمكن العودة عنه. أمل كارلوس ان اتزوج منها ، فندمج بين عائلتينا العاملتين في مجال الصيرفة". ردت غرايس بنبرة لاذعة :" لماذا لم تفعل ذلك اذا؟ فحتى الاعمى يستطيع ان يلاحظ انها يائسة من فرط حبها لك ". لم ينكر خافيير تصريح غرايس، لكن ابتسامته تلاشت حين قال :" لوسيتا مغرمة بي بسبب وهم طفولي ، لكنها قريبا سوف تكتشف انني لست أميرها الساحر الذي تحلم به. فهي تطلب اكثر مما انا مستعد لتقديمه لأية امرأة". ادركت غرايس أنه يقصد الحب ، فتساءلت لما تراها شعرت فجأة بفراغ كبير في داخلها. حسنا ً! على العكس من لوسيتا ، هي ليست واقعة تحت تأثير أية اوهام بخصوص علاقتها مع الدوق هيريرا . إن زواجهما هو بمثابة عقد ينال منه كل منهما ما يريده . هي تريد حرية والدها ، وخافيير يريد السيطرة على مصرف هيريرا . من الغباء أن تتمنى أن يبتسم لها بنفس الدفء الذي أبداه للوسيتا . وهي مصممة على جعله يفهم بأن واجباتها كزوجه تنتهي خارج باب غرفة النوم . قالت غرايس :" ألا تشعر بالوحدة في برجك العاجي ؟ كل شخص بحاجة إلى الحب بشكل من الأشكال . . . حتى أنت". حدق خافيير نزولاً نحو غرايس مشككاً لبضع لحظات ، ثم قال :" بحسب خبرتي وتجاربي ، قلما يمنح الحب مجاناً من دون مقابل ومن دون شرط . فالحب يضعف ويدمر ، وأنا لا حاجة لي به ". طافت عيناه فوق فستان غرايس الحريري الأبيض ، فالتوى فمه بابتسامة ساخرة ، ثم قال :" لعل رومانسية هذا الموقف اغوتك عزيزتي ، لكن لا تنتظري أشياء لا يمكن أن تحدث مطلقاً . إن الاحساس الوحيد الذي يجري بيننا هو الجاذبية الحسية . بكل بساطة ، إن الكيمياء المتبادلة بيننا هي التي تحول لون عينيك الى لون سماء الليل ، وتجعلك ترتعشين حين أعانقك ". ردت غرايس بكلمات لاذعه ، متعلقة بغضبها حتى تخفي ردة فعل جسدها الخائن لدى سماعها كلماته ، فقالت :" أنت حقاً تظن بأنك هبة من الله أليس كذلك ؟ ". إدراك خافيير للتأثير الذي يتركه عليها امر مهين جداً لها . الطريقة نظر بها أليها الآن بالذات ، جعلتها تشعر بوخز من التوق يسري في جسدها . طمأنت نفسها بأن الامر لا يعدو كونه انجذاباً حسياً ، لكنها ترفض الاستسلام للإغواء . غمغمت وهي تقفز ناهضة على قدميها :" أنا بحاجة لاستنشاق الهواء ". أضافت مرتعبة حين حاول خافيير اللحاق بها :" أضن أن نسيبك يرغب بالتحدث إليك ، من الاجدر أن تذهب لترى ما يريده ". عبرت غرايس من خلال حشد من الضيوف ، فخرجت من قاعة الاحتفالات وهربت صعوداً على الدرج ، هرعت بسرعة على طول مدخل الدرج ، ثم توقفت فجأة حين وقعت عيناها على السرير المجرد من الأغطية . اطلقت صرخة خافتة ثم عبرت الغرفة وفتحت باب خزانة الملابس فوجدتها خالية . أحست بحركة خفيفة في المدخل ، فأستدارت حول نفسها ، ثم سألت الخادمة بإلحاح :" كونسويلا ، أين هي أغراضي ؟". أجابت الفتاة الاسبانية مبتسمة :" في غرفة النوم الرئيسية . طلب مني الدوق ان أنقلها إلى هناك ". قاومت غرايس الشعور بالغثيان الذي أحست به في معدتها ، وهرعت عبر الرواق نحو غرفة خافيير ، ثم دفعت الباب لتفتحه . هيمن السرير الرائع ذو الاعمدة الاربعة على الغرفة ، في حين ان الستائر ذات اللونين الارجواني والذهبي قد شدت الى الخلف . فكرت غرايس انها تفضل القفز في حفرة مليئة بالافاعي ، خصوصا عندما وقع نظرها على رداء النوم الخاص بها الموضوع على اللحاف . كانت غرايس قد تلقت خلال الاسابيع القليلة المنصرمة عددا لا يحصى من الملابس والاحذية وادوات الزينة التي اعتبرها خافيير ضرورية لأجل لعب دروها كدوقة . احمرت وجنتاها بشدة فيما راقبت كونسويلا وهي تفرغ حقائب الملابس . افترضت ان كونسويلا هي من اختارت ذاك القميص الحريري الزهري وهي تفكر بالأغواء في ذهنها ، فهو ذو صدر مخرم ناعم ، كما انه شفاف .الفكرة الوحيدة التي سيطرت على ذهن غرايس هي الفرار. سألتها كونسويلا :" هل أساعدك في نزع التاج ؟ إنه جميل جدا ، لكن لا بد أنه ثقيل". ردت غرايس موافقة بحزن :" كما انه لا يقدر بثمن . خشيت ان اوقعه ". حاولت اخفاء نفاد صبرها فيما قامت كونسويلا بإزالة مشابك الشعر من شعرها المرفوع ، بحيث سقط شعرها منسدلا في شلال من اللون البني الحريري الباهت . فسرت الخادمة لغرايس قائلة :" يقول توريس ان كل عرائس آل هيريرا ارتدين هذا التاج . يقال إنه يجلب لهن السعادة و ....". قطعت كونسويلا كلامها مطلقة قهقهة خجولة ، ثم تابعت :" ..... والعديد من الاطفال". تنهدت وتمنت ان تذهب كونسويلا وتتركها وحدها ، فخافيير لن يمضي طيلة الليل مثرثرا مع ضيوفه ، وهي مصممة على ايجاد احد قمصان نومها القديمة، والعودةالى غرفها نومها القديمة ، قبل ان يأتي الى الطابق العلوي مطالبا بحقوقه الزوجية . بدت الفكرة كافية لجعل غرايس تشعر بالوهن . شهقت حين سمعت صوته العميق من مدخل الباب ، وهو يقول :" شكرا كونسويلا . يمكنك ان تدعينا بمفردنا الآن ". خاطب خافيير الخادمة ، لكن نظرات عينيه تركزت على غرايس فيما ابتلعت هذه الاخيرة ريقها تحت تأثير الحرارة الحانقة النابعة من نظراته إليها .
فكرت بتهور انه فات الاوان للهرب الآن ، فيما بدت عيناها كبيرتين في وجهها الباهت اللون . غمغمت قائلة :" لم اتوقع منك ان تترك ضيوفك وتتبعني الى هنا ". - لقد تركتهم لحالهم . أجاب خافيير بإيجاز ، فيما أغلق الباب خلف كونسويلا وأقفله قبل ان يضع المفتاح في جيبه . ثم اضاف ، وقد اخطأ تفسير شهقة الرعب الصادرة عنها :" لا تقلقي ، توريس سوف يحرص على الا يزعجنا أحد . سوف نستمتع بالخلوة التامة لبقية الليل ، عزيزتي ". -ماذا بشأن خصوصيتي أنا؟ طالبته غرايس بصوت ابح ، وقد تراجعت خطوة الى الوراء فيما تمشى خافيير نحوها . ذكرتها مشيته بالنمر المرقط ، فهو رشيق الحركة غامض وخطير جدا . أقرت لنفسها بكآبة انها ليست خائفة منه فعلا ، بل هي خائفة من نفسها ومن ردة فعلها تجاهه . أعلنت بصراحة واهنة :" اريد ان انام في غرفتي الخاصة . انا مرهقة .... ورأسي يؤلمني ". -أيتها الصغيرة المسكينة ! دنا خافيير منها الى ان وجدت غرايس نفسها ملتصقة بأدراج الملابس التي تعلوها مرآة . كان احدهم قد وضع الورود الزهرية الباهتة اللون التي كانت تحملها كباقة خاصة بالعرس في زهرية ، لذلك ملأ عبيرها المميز اجواء الغرفة . راقبته غرايس بضعف وهو يختار احد البراعم وقد بدأ يتفتح للتو ليداعب به خدها برفق . اخيرا تمتم قائلا :" هل احببت ورودك اليوم؟" همست قائلة :" انها جميلة ، فالورود هي ازهاري المفضلة ". -أعلم ذلك . ابتسامة خافيير البطيئة أطلعتها على انه يفكر بأول لقاء بينهما ، حين سرقت غرايس وردة من حديقة قصره . قال لها مخفيا أسفه :" إنها تذكرني بك ، فهي رقيقة ، وجميلة وبديعة التكوين ، لكنها تحمل اشواكا قد تسبب اذى حقيقيا ". لسبب ما انجذبت عينا غرايس نحو يده ، وكانت قد لاحظت الضمادة الصغيرة حول يده قبل قليل . عبست لدى رؤية لطخة الدم الواضحة على القماش :" ما الذي جرى ليدك؟" -لا شيء مهم. هز خافيير كتفيه ومسد شعرها بأنامله . فكرت غرايس مرتعبة انه يجدر بعا ان تتحرك من مكانها ، لكن بدا لها كما لو ان قدميها ملتحمتان بالارض . وحين مسك خافيير بذقنها فرفع وجهها لتواجهه ، لم تقو على منع نفسها من الاقتراب منه . عانقها ببطء خدر أحساسيها وفكك حواجزها بسهولة مرعبة . كيف يمكنها مقاومته ، فيما قلبها يتخبط في صدرها بقوة الى حد جعلها بالكاد تستطيع التنفس . تساءلت، اتراها ترتكب خطأ كبيرا اذا استسلمت الى المشاعر الهادرة التي تجول في عروقها ؟ إنه زوجها بالفعل ، لكن زواجهما مجرد خدعة ، كما انها لا تحبه . خطت اصابع خافيير دربا نزولا على عنقها ، ثم استقرت على النبض الذي يدق بجنون . شعرت غرايس بأحاسيسها تلتهب الى درجة لا تحتمل . شهقت حين ضمها اليه في عناق حارق كشف عن نفاد صبره وتوقه لأن يأخذها الى سريره . -خافيير ..... لا! استشعرت غرايس انامله تتحرك على عمودها الفقري، وهي تفك الازرار اللؤلؤية الصغيرة التي تحكم إغلاق فستانها . حينها وجدت في مكان ما القوة لتدفع بنفسها بعيدا عن صدره ، فقالت :" لقد عنيت ما قلته. لن أنام معك ". سحبت الهواء الى داخل رئتيها بقوة وحدقت بجموح قائلة :" لا اريدك ". -لا تكوني سخيفة . ابتسامته الساخرة وغروره جعلا غرايس تكز اسنانها ، اما هو فتابع قائلا :" انا لست اعمى عزيزتي ، فلدي دلائل حسية على انني اعجبك بقوة .انت تشعرين بالشوق تجاهي تماما كما اشعر انا . فما الهدف من نكران الشغف الذي يتوق له جسدك بكل وضوح؟" ردت غرايس بكلام حاد جدا جعل عيني خافيير تضيقان :" لربما يتفاعل جسدي مع خبرتك ، لكن قلبي وعقلي يرفضانك ، وهما الاهك بالنسبة لي". -لكنك زوجتي . وقبل ان يتسنى لغرايس الوقت لتفكر ، ادراها خافيير حول نفسها وتابع فك ازرار فستانها . -لا! اطلقت غرايس صرخة حادة وامسكت بفستانها ليبقى ملاصقا لصدرها ، ثم قالت :" فستاني الجميل ... لقد خربته ". تابعت قائلة :" انت .... بربري همجي ! لا عجب انني لا اتحمل وجودك بالقرب مني ". تصلب فك خافيير ، لكن حين تكلم بدا صوته هادئا ، اذ قال :" ما القضية الحقيقية هنا، غرايس؟ هل قررت ان تقبضي ثمن انجذابي اليك؟ دفعت مسبقا ثروة من الاموال لأجلك ، لكن ذلك المبلغ ذهب لأجل تصفية ديون والدك. هل ترغبين الآن بحافز مالي اصافي مقابل مشاركتي سريري؟" . في اللحظة التالي سمع دوي الصفعة التي تلقاها خافيير على خده ، والتي تردد صداها في ارجاء الغرفة كالقذيفة . تبع ذلك لحظة من الصمت ، ثم صرخت غرايس حين رفع خافيير يديه فمزق الفستان عن كتفيها . -خافيير ..... لا ...... لن افعل هذا . لكنه اختفطها وأخذها بين ذراعيه ، فبدأت تضربه بقبضتيها . أحست أن الانفاس تفارق جسدها حين اسقطها على السرير واسرها بجسده الصلب . فيما قال لها :" انتهى وقت الألاعيب ، عزيزتي ". ارتعدت وهي تشعر بكرب وألم شديدين من الرفض الممتزج بالشوق الصادق ، لا سيما حين اخفض خافيير رأسه ودفنه في عنقها متنشقا رائحة عطرها. شعرت غرايس ان الاحساس بأنفاسه فوق بشرتها هو عذاب رائع ، لكنها راحت تحرك جسمها مقاومة من دون هوادة . غمرتها تلك الاحاسيس الجديدة الغريبة التي اثارها خافيير داخلها ، فلم تتمكن من كبت تنهيدة ارتياح حين رفع خافيير رأسه . راحت غرايس تتنفس بصعوبة ، فحدقت الى الاعلى نحوه بعينين مغشيتين ، فيما تدحرج ليقف الى جانب السرير . قال لها بقسوة :" تعهدت في الكنيسة بأن تكوني زوجتي ، والآن حان الوقت لتحترمي هذا الوعد ". -وما الذي تعرفه انت عن الاحترام؟ خلع خافيير برشاقة قميصه فتألقت بشرته تحت ضوء الغرفة كالنحاس. -آه ، يا إلهي! قفزت بهلع صرف ، الى ان اصبحت تضغط بنفسها على خشبة السرير العلوية ، فقالت :" خافيير ، لا يمكنني أن افعل هذا. ارجوك لا تجبرني ". بدت عيناها ككرتين محترقتين في وجهها الباهت اللون ، فيما تشدق خافيير قائلا لها :" بدأ الامر يصبح مملا بعض الشيء ، عزيزتي . لماذا تصرين على ان تتصرفي كالعذراء المرتعبة؟". همست غرايس بألحاح :" لأنني فعلا عذراء مرتعبة ". -بالطبع انت كذلك . شهقت غرايس حين قبض على قدميها فجرها نزولا الى السرير ، ثم زمجر بوحشية قائلا لها :" على الاقل تحلي بلياقة النظر الي مباشرة حين تحبكين اكاذيبك. لكنه شعر بالتوتر حين رفعت غرايس اهدابها ، فرأى التعابير البادية في نظراتها الخائفة . لم يقل شيئا للحظات طويلة مؤلمة، فأكدت له بتسرع قائلة :" أقسم ..... انا ابدا لم اقم علاقة مع اي رجل ". زمجر خافيير بحدة وغضب :" لكنك كنت مخطوبة الى رجل يتمتع بسمعة في ارجاء لندن انه متعدد العشيقات ". أخبرته غرايس بتصلب ، فيما تحولت وجنتاها الى اللون القرمزي :" لم أكن اعرف شيئا عن سمعة ريتشارد حين تعرفت إليه . ظننته ساحرا ونبيلا حقيقيا لأنه لم يحاول أخذي الى سريره ". لاحظ التعاسة في عينيها ، فقال لها مخمنا :" لكنك عرفت الحقيقة في نهاية الامر . ما الذي حصل؟" ابتلعت غرايس ريقها . اما خافيير فأستلقى على احد وركيه منحنيا فوقها قليلا ، لكنه لم يبد أية محاولة للمسها فيما انتظر جوابها . اقرت بصوت ابح :" تعارفنا بعد انتقالي للسكن في لندن ، فوقعت في حبه الى حد كبير . حدث ذلك بعد وقت قصير من وفاة والدتي . كنت في حالة من الاحباط واليأس ، وأفترض انني كنت اشعر بالوحدة . ريتشارد جعلني اضحك بعد ان مضى وقت طويل على آخر مرة ضحكت فيها . أحسست أنني اكاد اطير فرحا حين طلب مني الزواج به . اعتقدت ان عدم اصراره على اقامة علاقة معي حتى موعد زفافنا هو امر يبرهن حقيقة حبه لي ". تنهدت غرايس بثقل فيما تذكرت تلك الفترة من حياتها التي تفضل فعلا لو تنساها ، ثم تابعت :" قبل الزفاف بأسابيع قليلة قصدت شقته في زيارة مفاجئة وكنت انوي اخباره انني احبه كثيرا ، واننا سوف نمضي بقية حياتنا سويا . لكن المفاجأة وقعت علي انا ". تابعت غرايس بمرارة :" كنت املك مفتاحا خاصا بي لشقته ، فدخلت ..... حتى اجده في السرير مع مدبرة منزله ". استفسر خافيير قائلا :" وبالتالي انت فسخت الخطوبة؟" -بالطبع . انا اؤمن بأن الزواج يجب ان يكون ارتباطا لمدى العمر ، كما كان زواج والدي ". فكرت بالعهود التي تعهدت بها لخافيير في وقت سابق من هذا النهار ، فعضت على شفتها وقالت :" ظننت ان الحب الذي اتشاطر به مع ريتشارد رغب بالزواج مني فقط لأن افتتاني به زاد من غروره وارضاه . كنت مغرمة بشدة به الى درجة الغباء . حتى انني لم اشك ابدا بالمرات العديدة التي أجبر فيها على العمل لوقت متأخر ، او حين كان يختفي فجأة لعدة ايام من اجل حضور مؤتمرات متعلقة بالعمل ". استنشقت غرايس نفسا عميقا وحدقت بخافيير ، وقد ظهر قلبها في عينيها ، فقالت :" بالرغم من كل الالم الذي سببه لي ريتشارد ما زلت اؤمن بالحب ... ذاك النوع العميق من الحب الصامد الذي احسه والداي تجاه بعضهما . يوما ما آمل ان التقي بالرجل الذي سوف احبه الى الابد ، والذي سيبادلني هذا الحب ، وهذا هو الرجل سوف اكرمه بشرف الحصول على جسدي ". حدق خافيير بغرايس ، فيما التمعت عيناه الكهرمانيتان بالاحباط وقال :" يا إلهي!" فجأة سحب ثيابه وارتداها ، ثم قال :" يا لحظي السيء! يبدو انني ارتبطت بزوجة تتمتع بلسان لاذع كالافعى ، وبوجه جميل كحورية البحر ، فيما تبدو براءتها مشابهة لبراءة إحدى عذاري فيستا". قذف خافيير قميص النوم الزهري اللون باتجاه غرايس ، ومزاجه يغلي على مهل ثم قال :" من الافضل ان ترتدي هذا قبل ان اعود " . غمغمت غرايس ألصقت الثوب الفضفاض الى صدرها :" الى اين انت ذاهب؟" -لآخذ حماما مطولا باردا . قالت غرايس بسرعة :" سوف انام في غرفتي القديمة لو فتحت لي قفل باب غرفة نومك ". رد خافيير بنبرة لاذعة آمرة متسلطة :" هذه هي غرفة نومنا . من الآن فصاعدا سوف ننام كلانا فيها . أخبرتك انني لا اريد ان يشك اي شخص بأن زواجنا ليس ارتباط حب وغرام ، حتى الموظفين العاملين لدي". -لكن لا يمكنني البقاء هنا . لن اغفو ابدا . -حسنا! اقترح عليك ان تحاولي ذلك جاهدة عزيزتي، لأنني لا استطيع ان اعدك بأنني سوف اعفيك من حاجاتي البدائية التي تعتبرينها مهينة جدا ان كنت ما تزالين مستيقظة حين اصعد الى جانبك في السرير . مشى خافيير داخلا الى الحمام ، فصفق الباب بقوة جعلت مفصلاته تئن .
لا.....أرجوك
-سيدي ، حان وقت الذهاب. الصوت القادم من مدخل الباب أزعج تأملات خافيير الصامتة للمنظر الممتد أسفل برجه العالي، فتصلب ثم تمتم وهو يخطو بعيدا عن النافذة ، موجها الى كبير الخدم ايماءة موجزة :" شكرا توريس. هل بات كل شيء جاهزا؟" -نعم. لقد اجتمع الضيوف في الكنيسة . -والآنسة بيريسفورد؟ -انها تنتظر في غرفة الاستقبال . وانا سأرافقها الى الكنيسة كما اتفقنا .-جيد. سعل خافيير لينقي حلقه، ثم قال مخاطبا كبير الخدم :" أخبرني توريس، كيف تبدو السنيوريتا بيريسفورد؟" لم يقو توريس على اخفاء ارتباكه ، فقال:" كيف تبدو سيدي؟" -نعم... هل تبدو.... سعيدة؟ حدق خافيير بالرجل الآخر بنفاد صبر ، أشرق وجه توريس ، وقال :" بالطبع .... قريبا سوف تصبح الدوقة الجديدة ، ومن الطبيعي أن تكون في نشوة من السعادة. و.....اذا كان بمقدوري أن اضيف ، فهي تبدو جميلة جدا". أطلق كبير الخدم ابتسامة ذات دفء أصيل حقيقي، لكنها لم تسهم في تهدئة مزاج خافيير. فهو يشك بأن غرايس تشعر بالسعادة لاحتمال ان تصبح عروسه . انها ابعد ما تكون عن ذلك . لا شك في انها تبدو متميزة جدا في فستان عرسها . لكن خافيير شعر بشيء من الغرابة لأن كبير خدمه عبر عن اعجابه بها بمثل هذه الحماسة . هو لم يكن حتى بقدرة توريس على الابتسام قبل وصول غرايس الى قصر الاسد. لطالما بدا القصر مكانا بشعا ومروعا الى حد ما، وكذلك بدا الموظفون فيه . لكن يبدو ان ذلك تغير بشكل ما خلال الاسابيع الثلاثة المنصرمة . والفضل في ذلك يعود الى تأثير الوردة الانكليزية الرقيقة، التي بدت قادرة بابتسامتها الناعمة على تفتيت قساوة هذه القلعة . اقر خافيير بعبوس انها لم تكن تبتسم له . بدت غرايس لطيفة مع موظفي القصر ، واستطاعت بتصرفاتها الهادئة ان تستحصل على رضاهم الفوري. لكنها ظلت باردة متزمتة معه، في حين ان حذرها منه راح يزداد يوميا أصبح وقت العشاء كل مساء محنة بالنسبة اليه ، بالرغم من توقه الى كسر تحفظها حتى يتلقى هو بدوره احدى ابتساماتها الخجولة التي كانت توجهها بطيبة خاطر الى كل شخص سواه في هذا القصر. -سيدي ،هل يمكنني ان احضر لك شيئا ما؟ توريس متدرب على عدم اظهار نفاد الصبر ، لكن خافيير ادرك انه يخشى من ان يشعر الضيوف الذين ينتظرون في الكنيسة بالضجر. فكر خافيير ، ما الذي قد يظنه به كبير الخدم لو علم ان غرايس تتزوجه فقط لأنه اجبرها على ذلك؟ صعق خافيير لأدراكه انه لم يفكر حتى بمصرف هيريرا لعدة ايام. أليس السبب الوحيد لاهتمامه بهذا الزواج هو كونه وسيلة للحصول على مايحق له بالولادة؟ تذكر كيف تعلقت بوالدها لدى نهاية رحلتهما القصيرة الى إيست بورن ، التمعت عيناها الزرقاوان الكبيرتان بالدموع ، فيما ارتعش صوتها وهي تخبر انغوس بيريسفورد بمقدار حبها له . اقر خافيير بتثاقل ان غرايس مستعدة لفعل اي شيء لأجل والدها ، حتى الزواج من رجل تمقته بوضوح. -سيدي؟ -حسنا! أنا قادم . لا جدوى من ان يعاني هجوما غير ضروري من قبل ضميره الآن . إنه وغرايس عقدا اتفاقا ، وهو وفى مسبقا بجانبه منه . ذكر خافيير نفسه بذلك فيما مشى عبر الغرفة وتبع توريس . من الافضل ان يتذكر ان الفضل يعود إليه لأن والد غرايس الغشاش النصاب ليس قابعا في السجن بأنتظار محاكمته بتهمة الاحتيال . بعد رحلته الى ايست بورن، ادرك خافيير ان انغوس لم يعد يشبه البتة الرجل الهادئ الرصين الذي كان قد عينه لإدارة الفرع البريطاني من مصرف هيريرا منذ ثلاث سنوات . بدا والد غرايس مثيرا للشفقة بوجهه الهزيل ويديه المرتعشتين . كما ان خافيير صدم فعلا لرؤية اضطرابه النفسي الواضح . ما الذي جعل انغوس يفكر بالاختلاس؟ لم تكن هنالك دلائل واضحة على انه استفاد من الملايين التي سرقها . بدا رجلا منكسرا ، بعيدا عن حياة البذخ والرفاهية ، وقد أجبر على اللجوء الى شقيقته لكي توفر له المسكن . ما الذي فعله اذا بتلك الملايين ؟ هل تراه صرفها كلها على غرايس ؟ قبل ان تدخل غرايس حياته ، كان خافيير يظن صدقا بأن ابنة انغوس بيريسفورد عي فتاة مدللة متواطئة مع والدها المحتال . لكنه اجبر بعد مرور الاسابيع القليلة الماضية ان يتقبل حقيقة ان غرايس لا تشبه البتة ما تصوره عنها . نظر الى صورة الدوق السابق ، فيما عبر صالة الدخول الواسعة . منذ لحظة وصوله الى القصر وهو صبي يافع ، لقنه كارلوس هيريرا مبدأ الاعتقاد بأن القوة هي كل شيء ، وان المشاعر كالحب والتعاطف هي للضعفاء فقط ، اما أسد آل هيريرا فصلب قوي ، ويمشي دوما بمفرده . اقر خافيير بتثاقل ان لا مكان في قلبه لغرايس بيريسفورد ، لكنه لم يستطع اخراجها من ذهنه . انها مجرد فتاة غير ملفتة للنظر بملامح وجهها الرقيقة وشعرها البني الناعم لو قورنت مع عشيقاته العديدات . مع ذلك سيطرت على افكاره وطاردته في احلامه . لكن الانجذاب الحسي هو الشيء الوحيد الذي يشعر به تجاه غرايس . ذكر خافيير نفسه بذلك بحدة . انه يرغب بها ، وسوف يحصل عليها الليلة.... ليلة زفافهما . طمأن نفسه وهو يعبر الباحة الخارجية متوجها نحو الكنيسة بأن غرايس تدين له . لم يفهم لماذا اختلس والد غرايس تلك الاموال ، لكن تصرفات انغوس ادت بكارلوس هيريرا الى التشكيك بإحكام خافيير، فأضاف شرط الزواج الى وصيته. لذلك من المنصف ان تحترم غرايس جهتها من الاتفاق فتصبح زوجته وتؤكد له حصوله على موقعه في رئاسة مصرف هيريرا . ****************** إنها الآن متزوجة! حركت غرايس بتوتر الخاتم الذهبي البسيط في إصبعها ، فوجدته عالقا بأحكام . كان خافيير قد وضعه في اصبعها بسهولة في وقت سابق من هذا النهار ، لكنها في ذلك الوقت كانت تشعر بالبرد بسبب اعصابها المتوترة. أما الآن فهي تشعر بالحر بسبب جلبة الاصوات المنبعثة من ارجاء قاعة الاستقبال. يا له من نهار طويل! بالكاد تطيق صبرا حتى ينتهي هذا اليوم. لكن اللمعان الدال على الترقب في عيني خافيير الكهرمانيتين يتوعدها بأن يكون الليل اكثر مشقة من نهار زفافهما . جعلت هذه الفكرة معدة غرايس تتقلص . بعد انتهاء العشاء ، راح الضيوف يتبادلون الاحاديث. كان خافيير يقف برفقة مجموعة من الاشخاص الذين لم تلتقهم غرايس من قبل، وخمنت ان معظمهم على الارجح شركاء في اعمال خافيير. قدمها خافيير الى بعض افراد عائلته ، وبالتحديد الى نسيبه لورنزو بيريز، اي الرجل الذي سينتزع منه رئاسة المصرف اذا ما فشل في ايجاد عروس يتزوجها . تساءلت غرايس هل يدرك لورنزو السبب الحقيقي لزواجهما المتسرع؟ هل يعلم بذلك اي شخص آخر هنا بأستثناء المحامي رامون أغويلار؟ كان خافيير قد اصر على ان يكون الامر سرا . إنه رجل فخورا جدا ، واستشعرت غرايس ان هذا الشرط جرحه. راحت تنظر إليه غير قادرة على انتزاع نظراتها عن وجهه الوسيم . حين رأته واقفا بأنتظارها أمام المذبح بدا لها باردا وبعيدا لكنه رائع الى حد الدمار ، فأحست بجاذبيته القوية تغمرها بالكامل . فجأة بدت رجلاها غير قادرتين على حملها ، فتعلقت بذراع توريس وهو يرافقها الى داخل الكنيسة . بدت مراسم الزفاف مؤثرة جدا ، فملأت الدموع عينيها حين تلت عهودها بصوت مرتعش لشدة تأثرها لطالما حلمت بالزواج من رجل يشكل توأم روحها ، وها هي عالقة في اتحاد خال من الحب مع رجل غالبا ما يتكلم عنه موظفوه بلقب أسد آل هيريرا . سمعت غرايس صوتا ساخرا مألوفا في اذنها قائلا :" حاولي ألا تبدي مأساوية الى هذا الحد ، عزيزتي ، فضيوفنا سيظنون اننا نخوض اول شجار عاشقين". وجود خافيير المفاجئ الى جانبها جعلها تقفز مرتعبة لاحظ بنظره الثاقب الظلال الباهتة في عينيها ، فسألها :" ما الخطب؟" سحب كرسيا وجلس بالقرب منها ، فتنشقت غرايس رائحة عطره الممزوجة برائحة المسك بالاضافة الى عبير آخر غير محدد يدل على القوة المطلقة . عضت على شفتها وقالت :" لا شيء .... فقط افكر بوالدي ... لم اتصور ابدا انني قد اكون وحيدة خلال يوم زفافي". قال خافيير بقساوة :" انت بالكاد تبدين وحيدة ، فهنالك اربعمائة من الضيوف المدعوين هنا". غمغمت غرايس متهكمة :" لكنني لا اعرف ايا منهم . إنهم ليسوا اصدقائي انا ، بالرغم من انني اشعر بالفضول لأعرف اذا كان اي منهم صديقك انت ، او ان زواجنا هو مجرد فرصة رائعة لأقامة العلاقات والاتصال بشركائك في العمل؟" رد خافيير صوت جليدية :" حسنا! لن تضطري الى تحمل وجودهم لفترة طويلة ، عزيزتي. فالحفلة سوف تنتهي خلال ساعة ولن يجرؤ احد على التمهل. لا بد انهم يعرفون كم يكاد ينفد صبري حتى آخذ عروسي الى سريري . لكن فقط ، في حال انتابتهم اية شكوك ...." أنزل خافيير رأسه فأسر غرايس بعناقه بدقة جعلتها مسلوبة الانفاس . قبضت انامل خافيير النحيلة عليها ممسكة إياها باحكام فيما تابع عرضه لضيوف العرس كاشفا عن توقه ليحمل دوقته الى الاعلى ....الى غرفته . فكرت غرايس مخدرة . انه يجدر بها ان تقاومه وتدفعه بعيدا عنها . طيلة فترة العشاء راحت تبحث عن الكلمات المناسبة لتقول له إن لا نية لديها بإتمام زواجهما المزيف. كذبت في الكنيسة حينما تلت عهودها ، لكنها سوف تكون صادقة مع قلبها ، فهي ترفض ان تسلم جسدها لرجل لا تحبه . يجدر بها ان تقول له ذلك الآن ، كي لا يعتقد أنهما على وشك تمضية ليلة من الشغف والهيام . لكن صعب عليها التفكير بصواب فيما ذراعاه تغمرانها وتضمانها إليه بقوة واحكام. انها لم تشعر بإحساس مماثل من قبل . لم تختبر ابدا احاسيس هائجة تلتهمها وتستنفد قواها ، فتجعل جسمها يتألم . أخيرا قطع خافيير العناق وحدق نزولا نحوها ، وقد ظهر تألق عنيف ضار في عينيه فيما لاحظ الارتباك بعينيها. قد لا تكون وردته الانكليزية معجبة به ، لكنها أسيرة هذا الانجذاب الحسي البدائي الذي يستعبده هو ايضا . لاحظ خافيير ذلك وقد احس بجيشان من الرضى في داخله . التوى فمه بابتسامة فظة لدى رؤية تعابير الصدمة على وجهها ، فقال :" سأطلب من توريس ان يعلن حلول موعد النخب الاخير للعروسين. حان موعد عودة ضيوفنا الى منازلهم" . -لا يمكنك ان ترميهم خارجا . ما الذي سيظنونه؟ أخبرها خافيير بغرور فائق :" لا اكترث البتة لما يفكرون به . انا اشعر بنهم شديد تجاهك عزيزتي ، ولتذهب اللياقات الاجتماعية الى الجحيم ". استنشقت غرايس نفسا عميقا وقالت :" خافيير .... انا.... لا اريد ان انام معك ". رفع خافيير كأس العصير فشربه بجرعة واحدة قبل ان ينظر نحوها وقد امتلأت عيناه المثقلتان بالتسلية، ثم قال :" انا ايضا لا ارغب بالنوم معك، فأنا انوي الانغماس بنشاطات أخرى اكثر متعة ولهوا خلال ساعات الليل الطويلة ". مرر عينيه ببطء عليها في تقدير صادق جدا، الى حد انها احمرت خجلا. أما خافيير فضحك ضحكة مكتومة وقال :" ان ادعاءك البراءة امر مثير جدا عزيزتي ، وانا واثق من انك تدركين ذلك" . ثم تشدق متابعا :" لكن لن تضطري الى ادعاء ذلك بعد الان . فأنا افضل المرأة الواثقة من سحرها ، ولدي توقعات كبيرة بأنك ستتصرفين كاللبوة في السرير". -لا تعتمد على ذلك . اجبرا على قطع حديثهما حين اقتربت امرأة شابة من طاولتهما ، وقد ثبتت عينيها بحزم على خافيير. قالت له بنزق يظهر حدة طباعها :" بحثت عنك في كل مكان . وعدتني بأن ترقص معي ". اجابها خافيير برصانة :" نعم . لكن كما ترين ، انا اتحدث مع زوجتي. لم لا تطلبين من احد معجبيك الشبان العديدين بأن يراقصك؟" . جاء ردها الحاد :" انا اريد ان ارقص معك فقط ". احست غرايس برفرفة غريبة في معدتها لدى سماعها كلمة "زوجتي" ، فلم تستطع حمل نفسها على ملاقاة نظرات خافيير . عوضا عن ذلك تفحصت الشابة التي راحت تحدق بخافيير وقد بدا الاعجاب واضحا في عينيها. اشتدت اعصاب غرايس في انتظار ان يقوم خافيير بتدمير الفتاة بإحدى تعليقاته الساخرة الفظة، لكنه عوضا عن ذلك ابتسم لها ابتسامة دافئة ، فأشرقت عيناه ورقت ملامح وجهه القاسية . -انا آسف . وفري لي رقصة لوقت لاحق . انظري ، اعتقد ان والدك يستعد للمغادرة . -لم يحن منتصف الليل بعد. ان بابا ممل جدا . كورت الفتاة شفتيها تجهما ، ثم هزت شعرها الاجعد الاسود اللون في حركة تعمدت ان تبدو جذابة ، فيما تجاهلت غرايس تماما. بعدئذ تمتمت:" الى المرة المقبلة اذا خافيير ". نفخت له قبلة في الهواء قبل ان تستدير على عقبيها وتمشي عبر الغرفة . قال خافيير لغرايس:" ميغيل سوف يعاني من المشاكل مع تلك الفتاة ". تتبعت غرايس نظرات خافيير نحو الفتاة التي تتمايل برشاقة، فغمرها إحساس يشبه الغيرة . سألته بحدة :" انها يافعة جدا. من هي؟" رد خافيير بنبرة ملؤها التسلية :" لوسيتا فاسكيز . والدها ميغيل كان الصديق الاقرب الى جدي. كان في الستين من عمره حين ولدت ، واخشى انه دللها الى حد كبير لا يمكن العودة عنه. أمل كارلوس ان اتزوج منها ، فندمج بين عائلتينا العاملتين في مجال الصيرفة". ردت غرايس بنبرة لاذعة :" لماذا لم تفعل ذلك اذا؟ فحتى الاعمى يستطيع ان يلاحظ انها يائسة من فرط حبها لك ". لم ينكر خافيير تصريح غرايس، لكن ابتسامته تلاشت حين قال :" لوسيتا مغرمة بي بسبب وهم طفولي ، لكنها قريبا سوف تكتشف انني لست أميرها الساحر الذي تحلم به. فهي تطلب اكثر مما انا مستعد لتقديمه لأية امرأة". ادركت غرايس أنه يقصد الحب ، فتساءلت لما تراها شعرت فجأة بفراغ كبير في داخلها. حسنا ً! على العكس من لوسيتا ، هي ليست واقعة تحت تأثير أية اوهام بخصوص علاقتها مع الدوق هيريرا . إن زواجهما هو بمثابة عقد ينال منه كل منهما ما يريده . هي تريد حرية والدها ، وخافيير يريد السيطرة على مصرف هيريرا . من الغباء أن تتمنى أن يبتسم لها بنفس الدفء الذي أبداه للوسيتا . وهي مصممة على جعله يفهم بأن واجباتها كزوجه تنتهي خارج باب غرفة النوم . قالت غرايس :" ألا تشعر بالوحدة في برجك العاجي ؟ كل شخص بحاجة إلى الحب بشكل من الأشكال . . . حتى أنت". حدق خافيير نزولاً نحو غرايس مشككاً لبضع لحظات ، ثم قال :" بحسب خبرتي وتجاربي ، قلما يمنح الحب مجاناً من دون مقابل ومن دون شرط . فالحب يضعف ويدمر ، وأنا لا حاجة لي به ". طافت عيناه فوق فستان غرايس الحريري الأبيض ، فالتوى فمه بابتسامة ساخرة ، ثم قال :" لعل رومانسية هذا الموقف اغوتك عزيزتي ، لكن لا تنتظري أشياء لا يمكن أن تحدث مطلقاً . إن الاحساس الوحيد الذي يجري بيننا هو الجاذبية الحسية . بكل بساطة ، إن الكيمياء المتبادلة بيننا هي التي تحول لون عينيك الى لون سماء الليل ، وتجعلك ترتعشين حين أعانقك ". ردت غرايس بكلمات لاذعه ، متعلقة بغضبها حتى تخفي ردة فعل جسدها الخائن لدى سماعها كلماته ، فقالت :" أنت حقاً تظن بأنك هبة من الله أليس كذلك ؟ ". إدراك خافيير للتأثير الذي يتركه عليها امر مهين جداً لها . الطريقة نظر بها أليها الآن بالذات ، جعلتها تشعر بوخز من التوق يسري في جسدها . طمأنت نفسها بأن الامر لا يعدو كونه انجذاباً حسياً ، لكنها ترفض الاستسلام للإغواء . غمغمت وهي تقفز ناهضة على قدميها :" أنا بحاجة لاستنشاق الهواء ". أضافت مرتعبة حين حاول خافيير اللحاق بها :" أضن أن نسيبك يرغب بالتحدث إليك ، من الاجدر أن تذهب لترى ما يريده ". عبرت غرايس من خلال حشد من الضيوف ، فخرجت من قاعة الاحتفالات وهربت صعوداً على الدرج ، هرعت بسرعة على طول مدخل الدرج ، ثم توقفت فجأة حين وقعت عيناها على السرير المجرد من الأغطية . اطلقت صرخة خافتة ثم عبرت الغرفة وفتحت باب خزانة الملابس فوجدتها خالية . أحست بحركة خفيفة في المدخل ، فأستدارت حول نفسها ، ثم سألت الخادمة بإلحاح :" كونسويلا ، أين هي أغراضي ؟". أجابت الفتاة الاسبانية مبتسمة :" في غرفة النوم الرئيسية . طلب مني الدوق ان أنقلها إلى هناك ". قاومت غرايس الشعور بالغثيان الذي أحست به في معدتها ، وهرعت عبر الرواق نحو غرفة خافيير ، ثم دفعت الباب لتفتحه . هيمن السرير الرائع ذو الاعمدة الاربعة على الغرفة ، في حين ان الستائر ذات اللونين الارجواني والذهبي قد شدت الى الخلف . فكرت غرايس انها تفضل القفز في حفرة مليئة بالافاعي ، خصوصا عندما وقع نظرها على رداء النوم الخاص بها الموضوع على اللحاف . كانت غرايس قد تلقت خلال الاسابيع القليلة المنصرمة عددا لا يحصى من الملابس والاحذية وادوات الزينة التي اعتبرها خافيير ضرورية لأجل لعب دروها كدوقة . احمرت وجنتاها بشدة فيما راقبت كونسويلا وهي تفرغ حقائب الملابس . افترضت ان كونسويلا هي من اختارت ذاك القميص الحريري الزهري وهي تفكر بالأغواء في ذهنها ، فهو ذو صدر مخرم ناعم ، كما انه شفاف .الفكرة الوحيدة التي سيطرت على ذهن غرايس هي الفرار. سألتها كونسويلا :" هل أساعدك في نزع التاج ؟ إنه جميل جدا ، لكن لا بد أنه ثقيل". ردت غرايس موافقة بحزن :" كما انه لا يقدر بثمن . خشيت ان اوقعه ". حاولت اخفاء نفاد صبرها فيما قامت كونسويلا بإزالة مشابك الشعر من شعرها المرفوع ، بحيث سقط شعرها منسدلا في شلال من اللون البني الحريري الباهت . فسرت الخادمة لغرايس قائلة :" يقول توريس ان كل عرائس آل هيريرا ارتدين هذا التاج . يقال إنه يجلب لهن السعادة و ....". قطعت كونسويلا كلامها مطلقة قهقهة خجولة ، ثم تابعت :" ..... والعديد من الاطفال". تنهدت وتمنت ان تذهب كونسويلا وتتركها وحدها ، فخافيير لن يمضي طيلة الليل مثرثرا مع ضيوفه ، وهي مصممة على ايجاد احد قمصان نومها القديمة، والعودةالى غرفها نومها القديمة ، قبل ان يأتي الى الطابق العلوي مطالبا بحقوقه الزوجية . بدت الفكرة كافية لجعل غرايس تشعر بالوهن . شهقت حين سمعت صوته العميق من مدخل الباب ، وهو يقول :" شكرا كونسويلا . يمكنك ان تدعينا بمفردنا الآن ". خاطب خافيير الخادمة ، لكن نظرات عينيه تركزت على غرايس فيما ابتلعت هذه الاخيرة ريقها تحت تأثير الحرارة الحانقة النابعة من نظراته إليها .
فكرت بتهور انه فات الاوان للهرب الآن ، فيما بدت عيناها كبيرتين في وجهها الباهت اللون . غمغمت قائلة :" لم اتوقع منك ان تترك ضيوفك وتتبعني الى هنا ". - لقد تركتهم لحالهم . أجاب خافيير بإيجاز ، فيما أغلق الباب خلف كونسويلا وأقفله قبل ان يضع المفتاح في جيبه . ثم اضاف ، وقد اخطأ تفسير شهقة الرعب الصادرة عنها :" لا تقلقي ، توريس سوف يحرص على الا يزعجنا أحد . سوف نستمتع بالخلوة التامة لبقية الليل ، عزيزتي ". -ماذا بشأن خصوصيتي أنا؟ طالبته غرايس بصوت ابح ، وقد تراجعت خطوة الى الوراء فيما تمشى خافيير نحوها . ذكرتها مشيته بالنمر المرقط ، فهو رشيق الحركة غامض وخطير جدا . أقرت لنفسها بكآبة انها ليست خائفة منه فعلا ، بل هي خائفة من نفسها ومن ردة فعلها تجاهه . أعلنت بصراحة واهنة :" اريد ان انام في غرفتي الخاصة . انا مرهقة .... ورأسي يؤلمني ". -أيتها الصغيرة المسكينة ! دنا خافيير منها الى ان وجدت غرايس نفسها ملتصقة بأدراج الملابس التي تعلوها مرآة . كان احدهم قد وضع الورود الزهرية الباهتة اللون التي كانت تحملها كباقة خاصة بالعرس في زهرية ، لذلك ملأ عبيرها المميز اجواء الغرفة . راقبته غرايس بضعف وهو يختار احد البراعم وقد بدأ يتفتح للتو ليداعب به خدها برفق . اخيرا تمتم قائلا :" هل احببت ورودك اليوم؟" همست قائلة :" انها جميلة ، فالورود هي ازهاري المفضلة ". -أعلم ذلك . ابتسامة خافيير البطيئة أطلعتها على انه يفكر بأول لقاء بينهما ، حين سرقت غرايس وردة من حديقة قصره . قال لها مخفيا أسفه :" إنها تذكرني بك ، فهي رقيقة ، وجميلة وبديعة التكوين ، لكنها تحمل اشواكا قد تسبب اذى حقيقيا ". لسبب ما انجذبت عينا غرايس نحو يده ، وكانت قد لاحظت الضمادة الصغيرة حول يده قبل قليل . عبست لدى رؤية لطخة الدم الواضحة على القماش :" ما الذي جرى ليدك؟" -لا شيء مهم. هز خافيير كتفيه ومسد شعرها بأنامله . فكرت غرايس مرتعبة انه يجدر بعا ان تتحرك من مكانها ، لكن بدا لها كما لو ان قدميها ملتحمتان بالارض . وحين مسك خافيير بذقنها فرفع وجهها لتواجهه ، لم تقو على منع نفسها من الاقتراب منه . عانقها ببطء خدر أحساسيها وفكك حواجزها بسهولة مرعبة . كيف يمكنها مقاومته ، فيما قلبها يتخبط في صدرها بقوة الى حد جعلها بالكاد تستطيع التنفس . تساءلت، اتراها ترتكب خطأ كبيرا اذا استسلمت الى المشاعر الهادرة التي تجول في عروقها ؟ إنه زوجها بالفعل ، لكن زواجهما مجرد خدعة ، كما انها لا تحبه . خطت اصابع خافيير دربا نزولا على عنقها ، ثم استقرت على النبض الذي يدق بجنون . شعرت غرايس بأحاسيسها تلتهب الى درجة لا تحتمل . شهقت حين ضمها اليه في عناق حارق كشف عن نفاد صبره وتوقه لأن يأخذها الى سريره . -خافيير ..... لا! استشعرت غرايس انامله تتحرك على عمودها الفقري، وهي تفك الازرار اللؤلؤية الصغيرة التي تحكم إغلاق فستانها . حينها وجدت في مكان ما القوة لتدفع بنفسها بعيدا عن صدره ، فقالت :" لقد عنيت ما قلته. لن أنام معك ". سحبت الهواء الى داخل رئتيها بقوة وحدقت بجموح قائلة :" لا اريدك ". -لا تكوني سخيفة . ابتسامته الساخرة وغروره جعلا غرايس تكز اسنانها ، اما هو فتابع قائلا :" انا لست اعمى عزيزتي ، فلدي دلائل حسية على انني اعجبك بقوة .انت تشعرين بالشوق تجاهي تماما كما اشعر انا . فما الهدف من نكران الشغف الذي يتوق له جسدك بكل وضوح؟" ردت غرايس بكلام حاد جدا جعل عيني خافيير تضيقان :" لربما يتفاعل جسدي مع خبرتك ، لكن قلبي وعقلي يرفضانك ، وهما الاهك بالنسبة لي". -لكنك زوجتي . وقبل ان يتسنى لغرايس الوقت لتفكر ، ادراها خافيير حول نفسها وتابع فك ازرار فستانها . -لا! اطلقت غرايس صرخة حادة وامسكت بفستانها ليبقى ملاصقا لصدرها ، ثم قالت :" فستاني الجميل ... لقد خربته ". تابعت قائلة :" انت .... بربري همجي ! لا عجب انني لا اتحمل وجودك بالقرب مني ". تصلب فك خافيير ، لكن حين تكلم بدا صوته هادئا ، اذ قال :" ما القضية الحقيقية هنا، غرايس؟ هل قررت ان تقبضي ثمن انجذابي اليك؟ دفعت مسبقا ثروة من الاموال لأجلك ، لكن ذلك المبلغ ذهب لأجل تصفية ديون والدك. هل ترغبين الآن بحافز مالي اصافي مقابل مشاركتي سريري؟" . في اللحظة التالي سمع دوي الصفعة التي تلقاها خافيير على خده ، والتي تردد صداها في ارجاء الغرفة كالقذيفة . تبع ذلك لحظة من الصمت ، ثم صرخت غرايس حين رفع خافيير يديه فمزق الفستان عن كتفيها . -خافيير ..... لا ...... لن افعل هذا . لكنه اختفطها وأخذها بين ذراعيه ، فبدأت تضربه بقبضتيها . أحست أن الانفاس تفارق جسدها حين اسقطها على السرير واسرها بجسده الصلب . فيما قال لها :" انتهى وقت الألاعيب ، عزيزتي ". ارتعدت وهي تشعر بكرب وألم شديدين من الرفض الممتزج بالشوق الصادق ، لا سيما حين اخفض خافيير رأسه ودفنه في عنقها متنشقا رائحة عطرها. شعرت غرايس ان الاحساس بأنفاسه فوق بشرتها هو عذاب رائع ، لكنها راحت تحرك جسمها مقاومة من دون هوادة . غمرتها تلك الاحاسيس الجديدة الغريبة التي اثارها خافيير داخلها ، فلم تتمكن من كبت تنهيدة ارتياح حين رفع خافيير رأسه . راحت غرايس تتنفس بصعوبة ، فحدقت الى الاعلى نحوه بعينين مغشيتين ، فيما تدحرج ليقف الى جانب السرير . قال لها بقسوة :" تعهدت في الكنيسة بأن تكوني زوجتي ، والآن حان الوقت لتحترمي هذا الوعد ". -وما الذي تعرفه انت عن الاحترام؟ خلع خافيير برشاقة قميصه فتألقت بشرته تحت ضوء الغرفة كالنحاس. -آه ، يا إلهي! قفزت بهلع صرف ، الى ان اصبحت تضغط بنفسها على خشبة السرير العلوية ، فقالت :" خافيير ، لا يمكنني أن افعل هذا. ارجوك لا تجبرني ". بدت عيناها ككرتين محترقتين في وجهها الباهت اللون ، فيما تشدق خافيير قائلا لها :" بدأ الامر يصبح مملا بعض الشيء ، عزيزتي . لماذا تصرين على ان تتصرفي كالعذراء المرتعبة؟". همست غرايس بألحاح :" لأنني فعلا عذراء مرتعبة ". -بالطبع انت كذلك . شهقت غرايس حين قبض على قدميها فجرها نزولا الى السرير ، ثم زمجر بوحشية قائلا لها :" على الاقل تحلي بلياقة النظر الي مباشرة حين تحبكين اكاذيبك. لكنه شعر بالتوتر حين رفعت غرايس اهدابها ، فرأى التعابير البادية في نظراتها الخائفة . لم يقل شيئا للحظات طويلة مؤلمة، فأكدت له بتسرع قائلة :" أقسم ..... انا ابدا لم اقم علاقة مع اي رجل ". زمجر خافيير بحدة وغضب :" لكنك كنت مخطوبة الى رجل يتمتع بسمعة في ارجاء لندن انه متعدد العشيقات ". أخبرته غرايس بتصلب ، فيما تحولت وجنتاها الى اللون القرمزي :" لم أكن اعرف شيئا عن سمعة ريتشارد حين تعرفت إليه . ظننته ساحرا ونبيلا حقيقيا لأنه لم يحاول أخذي الى سريره ". لاحظ التعاسة في عينيها ، فقال لها مخمنا :" لكنك عرفت الحقيقة في نهاية الامر . ما الذي حصل؟" ابتلعت غرايس ريقها . اما خافيير فأستلقى على احد وركيه منحنيا فوقها قليلا ، لكنه لم يبد أية محاولة للمسها فيما انتظر جوابها . اقرت بصوت ابح :" تعارفنا بعد انتقالي للسكن في لندن ، فوقعت في حبه الى حد كبير . حدث ذلك بعد وقت قصير من وفاة والدتي . كنت في حالة من الاحباط واليأس ، وأفترض انني كنت اشعر بالوحدة . ريتشارد جعلني اضحك بعد ان مضى وقت طويل على آخر مرة ضحكت فيها . أحسست أنني اكاد اطير فرحا حين طلب مني الزواج به . اعتقدت ان عدم اصراره على اقامة علاقة معي حتى موعد زفافنا هو امر يبرهن حقيقة حبه لي ". تنهدت غرايس بثقل فيما تذكرت تلك الفترة من حياتها التي تفضل فعلا لو تنساها ، ثم تابعت :" قبل الزفاف بأسابيع قليلة قصدت شقته في زيارة مفاجئة وكنت انوي اخباره انني احبه كثيرا ، واننا سوف نمضي بقية حياتنا سويا . لكن المفاجأة وقعت علي انا ". تابعت غرايس بمرارة :" كنت املك مفتاحا خاصا بي لشقته ، فدخلت ..... حتى اجده في السرير مع مدبرة منزله ". استفسر خافيير قائلا :" وبالتالي انت فسخت الخطوبة؟" -بالطبع . انا اؤمن بأن الزواج يجب ان يكون ارتباطا لمدى العمر ، كما كان زواج والدي ". فكرت بالعهود التي تعهدت بها لخافيير في وقت سابق من هذا النهار ، فعضت على شفتها وقالت :" ظننت ان الحب الذي اتشاطر به مع ريتشارد رغب بالزواج مني فقط لأن افتتاني به زاد من غروره وارضاه . كنت مغرمة بشدة به الى درجة الغباء . حتى انني لم اشك ابدا بالمرات العديدة التي أجبر فيها على العمل لوقت متأخر ، او حين كان يختفي فجأة لعدة ايام من اجل حضور مؤتمرات متعلقة بالعمل ". استنشقت غرايس نفسا عميقا وحدقت بخافيير ، وقد ظهر قلبها في عينيها ، فقالت :" بالرغم من كل الالم الذي سببه لي ريتشارد ما زلت اؤمن بالحب ... ذاك النوع العميق من الحب الصامد الذي احسه والداي تجاه بعضهما . يوما ما آمل ان التقي بالرجل الذي سوف احبه الى الابد ، والذي سيبادلني هذا الحب ، وهذا هو الرجل سوف اكرمه بشرف الحصول على جسدي ". حدق خافيير بغرايس ، فيما التمعت عيناه الكهرمانيتان بالاحباط وقال :" يا إلهي!" فجأة سحب ثيابه وارتداها ، ثم قال :" يا لحظي السيء! يبدو انني ارتبطت بزوجة تتمتع بلسان لاذع كالافعى ، وبوجه جميل كحورية البحر ، فيما تبدو براءتها مشابهة لبراءة إحدى عذاري فيستا". قذف خافيير قميص النوم الزهري اللون باتجاه غرايس ، ومزاجه يغلي على مهل ثم قال :" من الافضل ان ترتدي هذا قبل ان اعود " . غمغمت غرايس ألصقت الثوب الفضفاض الى صدرها :" الى اين انت ذاهب؟" -لآخذ حماما مطولا باردا . قالت غرايس بسرعة :" سوف انام في غرفتي القديمة لو فتحت لي قفل باب غرفة نومك ". رد خافيير بنبرة لاذعة آمرة متسلطة :" هذه هي غرفة نومنا . من الآن فصاعدا سوف ننام كلانا فيها . أخبرتك انني لا اريد ان يشك اي شخص بأن زواجنا ليس ارتباط حب وغرام ، حتى الموظفين العاملين لدي". -لكن لا يمكنني البقاء هنا . لن اغفو ابدا . -حسنا! اقترح عليك ان تحاولي ذلك جاهدة عزيزتي، لأنني لا استطيع ان اعدك بأنني سوف اعفيك من حاجاتي البدائية التي تعتبرينها مهينة جدا ان كنت ما تزالين مستيقظة حين اصعد الى جانبك في السرير . مشى خافيير داخلا الى الحمام ، فصفق الباب بقوة جعلت مفصلاته تئن .
0 comments:
Post a Comment